وهذه الغريزة، التي هي إحدى معاني العقل، شرط في المعقولات والمعلومات، وهي مناط التكليف؛ فإذا عدمت في الإنسان، سقطت عنه التكاليف الشرعية.
وفي ذلك يقول الحارث المحاسبي (ت 243 هـ): (فالعقل غريزة، جعلها الله في الممتحنين من عباده؛ أقام به على البالغين للحلم الحجة، وأنه خاطبهم من جهة عقولهم، ووعد، وتوعد، وأمر، ونهى، وحض، وندب) (?).
وهذا العقل المشروط في التكليف لا بد أن يكون علوما يميز بها الإنسان بين ما ينفعه وما يضره.
وعن هذا المعنى نفسه، يقول ابن تيمية (ت 728هـ): (العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، ولكنه ليس مستقلا بذلك، لكنه غريزة في النفس، وقوه فيها، بمنزلة قوة البصر التي في العين) (?).
ويلاحظ تشبيهه العقل بالبصر.
وقد سبقه إلى هذا التشبيه البليغ قوم، قالوا عن العقل: (هو نور وضعه الله طبعا وغريزة، يبصر به، ويعبر به. نور في القلب، كالنور في العين، وهو البصر .. ) (?).