موضوع الدعوى. وحيث إن الشارع ينظر إلى الحقوق نظرة حفاظ ورعاية واحتياط. وحيث إن مجهول الحال من المتهمين لا يستبعد منه أن يقوم بما فيه الدعوى بالاتهام، فإن واجب الاحتياط لرعاية الحقوق والحفاظ عليها يرجح جانب الاتهام على جانب البراءة الأصلية حيث يستدعي الأمر القبض على المتهم والتحقق معه فيما اتهم به وحبسه حتى ينكشف أمره، وهذا يعني أننا لا نقول ببراءة مجهول الحال براءة مطلقة بحيث يعتبر القبض عليه والتحقيق معه وحبسه حتى ينكشف أمره ضربا من الظلم والتعدي، ولا نقول باتهامه اتهاما يوجب ضربه، وإنما نقول بضرورة رعاية جانب الحقوق ممن لا يستبعد منه الاعتداء عليها بأخذه بما يعتبر تحفظا.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ما نصه: والثاني من يكون مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور، فهذا يحبس حتى يكشف عن حاله، وقد قيل يحبس شهرا وقيل يحبس بحسب اجتهاد ولي الأمر.
* والأصل في ذلك ما روى أبو داود وغيره «أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة (?)». وقد نص على ذلك الأئمة، وذلك أن هذه بمنزلة ما لو ادعى عليه مدع فإنه يحضر مجلس ولي الأمر الحاكم بينهما، وإن كان في ذلك تعويقه عن أشغاله فكذلك تعويق هذا إلى أن يعلم أمره، ثم إذا سأل عنه ووجد بارا أطلق. اهـ (?).
* الثالث: أن يكون المتهم معروفا بالفجور والإجرام وأن مثله يقع في الاتهام، فهذا أشد من الثاني وأوغل منه في الاتهام، فقد ترجح جانب اتهامه على جانب براءته مما هو عليه من حال تقوى جانب الإدعاء عليه بالاتهام. وفي هذا الصنف من أصناف المتهمين يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع ما نصه: وإن وجد فاجر كان من الصنف الثالث، وهو الفاجر الذي عرف منه السرقة قبل ذلك، أو عرف بأسباب السرقة مثل أن يكون معروفا بالقمار والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال وليس له مال، ونحو ذلك فهذا لوث في التهمة، ولهذا قالت طائفة من العلماء: إن مثل هذا يمتحن بالضرب يضربه الوالي والقاضي كما قال أشهب صاحب مالك وغيره حتى يقر بالمال - إلى أن قال - ثم المتولي له أن يقصد بضربه مع تقريره عقوبته على فجوره