يجوز لذلك القبض عليه ولا تناوله بشيء مما يمس كرامته أو يجرح شعوره من حبس أو ضرب أو توبيخ، والدعوى عليه بالاتهام إن كانت من حقوق الله تعالى فلا تسمع، وإن كانت حقا لآدمي فقد اختلف أهل العلم في سماعها، وعلى القول بسماعها فهل يحلف على نفي الدعوى أم لا؟ خلاف بين أهل العلم في ذلك. وتوجيه براءته البراءة المطلقة أن براءته من الاتهام طرف واتهامه بالدعوى طرف، والأصل أنهما طرفان متساويان لإمكان قيامه بالفعل المدعى عليه به، ولأن الأصل براءته من ذلك الفعل إلا أن حاله المتمثلة في استقامته وصلاحه وتقواه تؤيد براءته الأصلية من التهمة لاستبعاد قيامه بما فيه الدعوى بحكم ما هو عليه من حال توجب ذلك، فقد ترجح بهذا طرف البراءة الأصلية فقلنا ببراءته من الاتهام براءة مطلقة، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - هذا النوع من أقسام المتهمين بقوله: فإن كان بريئا لم تجز عقوبته اتفاقا، واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين أصحهما يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء.

قال مالك وأشهب - رحمهما الله -: لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه فيؤدب، وقال أصبغ: يؤدب، قصد أذية أو لم يقصد.

وهل يحلف في هذه الصور؟ فإن كان المدعى حدا لله لم يحلف عليه، وإن كان حقا لآدمي ففيه قولان مبنيان على سماع الدعوى، فإن سمعت الدعوى أحلف له، وإلا لم يحلف، والصحيح أنه لا يسمع الدعوى في هذه الصورة ولا يحلف المتهم لئلا يتطرق الأراذل والأشرار إلى الاستهانة بأهل الفضل والأخيار. اهـ (?).

* وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: وذلك أن الناس في التهم ثلاثة أصناف: صنف معروف عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم فهذا لا يحبس ولا يضرب، بل ولا يستحلف في أحد قولي العلماء، بل يؤدب من يتهمه فيما ذكره كثير منهم (?) اهـ.

الحال الثانية: أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف باستقامة ولا فجور، ففي هذه الحال يستوي الطرفان طرف البراءة الأصلية من الاتهام وطرف إمكان القيام بالفعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015