العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنفاذها من تلك المهالك، وأفرطت طائفة أخرى قابلت تلك الطائفة فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله. وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه فالله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإن ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له. فلا يقال إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحكم، وإنما هي عدل الله ورسوله أظهر بهذه الأمارات والعلامات، فقد «حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة وعاقب في تهمة (?)» لما ظهرت له أمارات الريبة على المتهم.

فمن أطرق كل متهم وحلفه وخلى سبيله مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض وكثرة سرقاته وقال لا آخذه إلا بشاهدي عدل فقوله مخالف للسياسة الشرعية اهـ (?).

* إننا لا نريد بهذا ومن هذا أن نقرر ضرورة الأخذ بالقرائن والأمارات والأحوال والملابسات وإعطائها ما تستحقه من النظر والاعتبار في تقوية جانب الادعاء، فهذا أمر مسلم به، ويرحم الله من العلماء من خدموه ووضحوه وأزاحوه وأزاحوا عن وجهه القترة والأعتام حتى أصبح من الأمور البديهية في محيط القضاء في الإسلام.

* وإنما نريد من ذلك توضيح ما تستلزمه هذه القرائن والأحوال من التصاق المتهم بما يتجه عليه الادعاء به وبالتالي رفض القول ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته، والحال أن القرائن والأمارات والأحوال والملابسات تلصق به الاتهام.

* ثم إن المتهم نفسه لا يخلو من أحوال ثلاثة: إما أن يكون على جانب من الصلاح والاستقامة والتقوى وأن مثله يستبعد اتهامه بما اتهم به، فهذا يعتبر بريئا براءة مطلقة ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015