بإضاعة مثلها تفقد العدالة كثيرا من مقومات سلطانها وحفاظها على الحق والعدل والاستقرار.

* حقا إن القضاء الإسلامي وهو لسان الحق والعدل والإنصاف لا يستطيع أن يستبعد من اعتباره ونظره ومجال تأمله شواهد الأحوال والقرائن والأمارات في قوة الاتهام وتقوية جانب الادعاء لمن يحمل في ادعائه ما يقوي به جانبه من قرائن وأمارات، وبالتالي فإن القضاء في الإسلام لا يعطي المتهم براءة مطلقة من الادعاء ما لم يكن الاتهام خاليا مما يسنده.

* لقد اعتبرت الشريعة الإسلامية القرائن والأمارات مؤيدة للادعاء وإن لم تكن في نفسها طريقا كافيا للإثبات. قال تعالى في قصة يوسف: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (?) {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (?) {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (?) {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (?) {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} (?)

فاتهام يوسف واتهام امرأة العزيز بالمراودة فصلت فيه القرائن والأمارات حيث كان شق قميص يوسف من دبره يدل على أنه كان هاربا منها وأنها وراءه متعلقة به آخذة بوثبه حتى انشق من الخلف، فكان هذا كافيا للعزيز في تبرئة يوسف من الاتهام والحكم على امرأة العزيز بالمراودة.

قال شيخنا الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: أضواء البيان: ما نصه: يفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب؛ لأن كون القميص مشقوقا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها وهي تنوشه من خلفه، ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها قرينة أقوى منها، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها، وذلك في قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015