وأصل الفعل من باب فتح يفتح وضرب يضرب ومصدره وهم. قال في القاموس وشرحه الوهم مرجوح أحد طرفي المتردد فيه. وأوهمه ووهمه غيره واتهمه بكذا اتهاما واتهمه كافتعله وأوهمه أدخل عليه التهمة، وقال في اللسان: الوهم من خطرات القلب. والتهمة أصلها الوهمة من الوهم، ويقال اتهمته افتعال منه يقال اتهمت فلانا على بناء افتعلت أي أدخلت عليه التهمة: وقال الجوهري. اتهمت فلانا بكذا والاسم التهمة بالتحريك وأصل التاء فيه واو على ما ذكر في وكل، وقال ابن سيده التهمة الظن تاؤه مبدلة من واو كما أبدلوها في تخمة سيبويه - إلى أن قال - واتهم الرجل واتهمه وأوهمه أدخل عليه التهمة أي ما يتهم عليه إلى أن قال: واتهم الرجل إذا صارت به الريبة. اهـ.
فقول صاحب القاموس إن الوهم مرجوح أحد طرفي المتردد فيه. يفيد أن الاتهام لا يعتبر إلا بما ينقدح في الذهن مرجحا لأحد طرفي المتردد فيه باعتبارات خارجية موجبة، وهذا يعني أن استواء طرفي المتردد فيه لا يسمى وهما، وبالتالي فلا يجوز الوصف بالاتهام إذا لم يكن ثم ما يقيمه ويعطي رجحان أحد طرفيه عطاء إيجابيا. فلو أن إنسانا مجهول الحال وجهت إليه التهمة بفعل جريمة ما وليس لهذا الاتهام ما يسنده مطلقا لا من حيث حال الفعل وملابساته وظروفه ولا من حيث حال الشخص نفسه. فالاتهام نفسه طرف والبراءة من الاتهام طرف، وكلا الطرفين متساو في النظر والاعتبار، وكل طرف من الطرفين متردد في اعتباره إذ ليس في العقل ولا في الحس ما يحول دون إمكان وجود الجريمة من المتهم بها، ولو لم يكن في الوجود الذهني ما يؤيد وقوعها. كما أن البراءة الأصلية لا تحول دون الانتقال منها إلى الإجرام إلا أن فقدنا ما يقوي أحد الطرفين جعلنا ننفى عن ذلك الشخص وصفه بالاتهام، وهذا معنى استواء طرفي المتردد فيه.
ولو أن إنسانا آخر وجهت إليه التهمة بفعل جريمة ما وكان لهذا الاتهام ما يسنده من حيث الأحوال أو الظروف أو الملابسات، أو أن الشخص نفسه أهل للاتهام من حيث سوابقه، أو أن مثله يفعل ذلك فقد ترجح لدينا اتهامه وقوي جانب الادعاء عليه به، وأصبحت البراءة الأصلية بالنسبة له مرجوحة، وهذا معنى الوهم مرجوح أحد طرفي المتردد فيه، فهذا المتهم لا نستطيع أن نسلم له بالبراءة الأصلية المطلقة حتى تثبت الجريمة؛ لأننا بذلك نضيع على أنفسنا أمورا