لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب جعلوا على قميصه دم سخلة ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب. ولا شك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها وهي عدم شق القميص، فقال: سبحان الله متى كان الذئب حليما كيسا يقتل يوسف ولا يشق قميصه، ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (?) وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن. اهـ (?).
قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (?) استدل الفقهاء بهذه الآية على إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص، وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وهي قوة التهمة، ولا خلاف في الحكم بها، قاله ابن العربي. اهـ (?).
وقال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الطرق الحكمية في معرض ذكره مجموعة من الشواهد على اعتبار القرائن والأحوال والأمارات وذكره مما ذكر قصة يوسف مع امرأة العزيز وإيراده للآية الكريمة قال: فنتوصل بقد القميص إلى تمييز الصادق منهما من الكاذب وهو لوث في أحد المتنازعين يبين به أولاهما بالحق. اهـ (?).
* وقال تعالى في قصة شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآَثِمِينَ} (?)