والحق في ذلك: أن عمر عين أبا موسى واليا وقاضيا على البصرة، ثم أبقاه على الولاية فقط، وعين لها قاضيا سواه.
أما إمرة البصرة فالمنكرون لا ينازعون في ذلك، فلا حاجة إلى إثباته. أما ولايته لقضاء البصرة فالدليل على ذلك ما يلي:
1 - روى ابن سيرين قال: كتب عمر إلى أبي موسى أن ينظر قضايا أبي مريم الحنفي، فكتب إليه: إني لا أتهم أبا مريم، ومفاد ذلك: أن أبا موسى كان واليا وقاضيا على البصرة لعمر، وظل يجمع بينهما حتى عين عمر كعب بن سور الأزدي على القضاء، وأبقى أبا موسى على الولاية، وهذا ما يمكن أن يقال في الجمع بين الروايتين محل تساؤل المنكرين لكتاب عمر، مع أن الطبري عبر عن تولي كعب بن سور قضاء البصرة بكلمة: (قيل)، وهذا إشارة منه إلى تضعيف هذه الرواية، على أن أبا موسى بقي علي البصرة واليا حتى وفاة عمر بن الخطاب سنة 23هـ. فاستخلفه عثمان في بداية خلافته على البصرة وصلاتها وأحداثها، فأصبح كما كان سابقا واليا وقاضيا حتى عزله عثمان في آخر سنة 28هـ. وأول سنة 29هـ (?).
2 - ويؤيد ذلك ما ذكرناه سابقا مما هو ثابت باتفاق أن الوالي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم في عهد أبي بكر كان الحاكم والقاضي، واستمر الحال على ذلك زمنا من خلافة عمر، ثم بعد فترة من خلافته فصل القضاء عن الولاية - على ما ذكرناه - بسبب كثرة الأعمال على الولاة واتساع النطاق العمراني، وعلى هذا ليس ثمة ما يمنع من أن عمر قد أرسل إلى واليه أبي موسى بهذه الوصايا والتوجيهات القضائية ليستعين بها في الحكم بين الناس، وحل خلافاتهم، شأن مكاتباته مع الولاة الآخرين.
وأمام هذه الحقائق فإنه لا وجه للطاعنين في سند الكتاب.