قال ذو الرمة يصف بعيرا:

بعيد مساف الخطو غوج شمردل ... تقطع أنفاس المهارى تلاتله

أي حركاته، والمساف: جمع مسافة، والغوج بالغين المعجمة: الواسع الصدر، ومعنى تقطيع تلاتله أنفاس المهارى أنه إذا باراها في السير أظهر في أنفاسها الضيق والتتابع لما يجهدها. وإنما فعله لأن بالتحريك تظهر الرائحة من المعدة التي كانت خفيت، وكان ذلك مذهبه. ويدل عليه ما في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قرأ سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت. فقال عبد الله: والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت. فبينما هو يكلمه إذ وجد منه رائحة الخمر، فقال: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب؟ فضربه الحد.

وأخرج الدارقطني بسند صحيح، عن السائب بن يزيد، عن عمر بن الخطاب أنه ضرب رجلا وجد منه ريح الخمر. وفي لفظ: ريح شراب. والحاصل أن حده عند وجود الريح مع عدم البينة والإقرار لا يستلزم اشتراط الرائحة مع أحدهما. ثم هو مذهب لبعض العلماء منهم مالك، وقول للشافعي، ورواية عن أحمد، والأصح عن الشافعي، وأكثر أهل العلم نفيه. وما ذكرناه عن عمر يعارض ما ذكرنا عنه أنه عزر من وجد منه الرائحة، ويترجح؛ لأنه أصح، وإن قال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه جلد من وجد منه رائحة الخمر حدا تاما. وقد استبعد بعض أهل العلم حديث ابن مسعود من جهة المعنى، وهو أن الأصل في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015