أحدهما والنفي في الآخر، فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي ولا إلى طرف الإثبات.
وبيانه أن نقول: لا تخلو أفعال المكلف أو تروكه إما أن يأتي فيها خطاب من الشارع أو لا. فإن لم يأت فيها خطاب فإما أن يكون على البراءة الأصلية أو يكون فرضا غير موجود، والبراءة الأصلية في الحقيقة راجعة إلى خطاب الشارع بالعفو أو غيره.
وإن أتى فيها خطاب فإما أن يظهر فيه للشارع قصد في النفي أو في الإثبات أو لا، فإن لم يظهر له قصد البتة فهو قسم المتشابهات، وإن ظهر فتارة يكون قطعيا وتارة يكون غير قطعي.
فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو في الإثبات، وليس محلا للاجتهاد وهو قسم الواضحات؛ لأنه واضح الحكم حقيقة، والخارج عنه مخطئ قطعا.
وأما غير القطعي فلا يكون كذلك إلا مع دخول احتمال فيه أن يقصد الشارع معارضة أو لا، فليس من الواضحات بإطلاق، بل بالإضافة إلى ما هو أخفى منه، كما أنه يعد غير واضح بالنسبة إلى ما هو أوضح منه؛ لأن مراتب الظنون في النفي والإثبات تختلف بالأشد والأضعف حتى تنتهي إما إلى العلم وإما إلى الشك، إلا أن هذا الاحتمال تارة يقوى في إحدى الجهتين وتارة لا يقوى، فإن لم يقو رجع إلى قسم المتشابهات، والمقدم عليه حائم حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن قوي في إحدى الجهتين فهو قسم المجتهدات وهو الواضح الإضافي بالنسبة إليه في نفسه وبالنسبة إلى أنظار المجتهدين. فإن كان المقدم عليه من أهل الاجتهاد