ذكرنا فيما سلف من هذا الباب وأن حكم تحريم التفاضل غير مقصور على الأصناف الستة.
قد قال قوم هم شذوذ عندنا لا يعدون خلافا: أن حكم تحريم التفاضل مقصور على الأصناف التي ورد فيها التوقيف دون تحريم غيرها. ولما ذهب إليه أصحابنا في اعتبار الكيل والوزن دلائل من الأثر والنظر وقد ذكرناها في مواضع، ومما يدل عليه من فحوى الخبر قوله: «الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل كيلا بكيل (?)» فأوجب استيفاء المماثلة بالوزن في الموزون وبالكيل في المكيل، فدل ذلك على أن الاعتبار في التحريم الكيل والوزن مضموما إلى الجنس.
ومما يحتج به المخالف من الآية على اعتبار الأكل قوله عز وجل. {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (?)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} (?) فأطلق اسم الربا على المأكول، قالوا: فهذا عموم في إثبات الربا في المأكول. وهذا عندنا لا يدل على ما قالوا من وجوه:
أحدها: بما قدمنا من إجمال لفظ الربا في الشرع وافتقاره إلى البيان فلا يصح الاحتجاج بعمومه وإنما يحتاج إلى أن يثبت بدلالة أخرى أنه ربا حتى يحرمه بالآية ولا يأكله.