مواقفه كالكوفيين، ورجع عن كثير من آرائه السابقة إرضاء لهم أو قناعة بهم، واستمر على هذا إلى أن عاد فيما بعد إلى موطنه في البصرة فعاد إليه شيء من الالتزام ومقدار من التشدد وعدم التسمح، ولعل في هذا ما يفسر اضطراب آرائه في شطر لا بأس به من فروع النحو ومسائله.
وقد تمكن الأخفش بذكائه وعلمه الواسع بلغات العرب، وبإفساحه المجال لهذه اللغات جميعا حتى للشاذ منها، وبكثرة اعتراضه على الخليل وسيبويه. . أقول: لقد تمكن بكل هذا من أن ينفذ إلى آراء مبتكرة، ومن أن يتبوأ مكانته العليا في الدرس النحوي في البصرة، بل في الكوفة أيضا التي يعد ذا تأثير فيها؛ لأنه كان أستاذ الكسائي رأس الكوفيين، الذي أقرأه كتاب سيبويه كما ذكرنا؛ ولأن الكوفيين حملوا عنه لغاته وآرائه ومخالفاته، ومضوا يتوسعون فيها ويضيفون إليها، فتكونت من حصيلة ذلك كله ومن غيره مدرستهم، وأصبح الأخفش بمثابة من أقام الأساس لها، وهذا يجعل القول بأن ديدنه كان مخالفة قومه البصريين ومتابعة أخصامهم الكوفيين فحسب - غير دقيق، فهو الذي فتح لتلميذيه الكسائي والفراء قطبي الكوفيين أبواب الخلاف واسعة على قطبي البصريين الخليل وسيبويه بما بسط من وجوهه، فتابعاه في كثير منها، ثم مضيا ومن بعدهما من نحاة الكوفة يتخذون من آرائه منطلقا إلى آرائهم الخاصة بهم.
وفي كتب النحو فيض من الفروع التي وافق فيها الكسائي والفراء بخاصة والكوفيون بعامة - الأخفش في رأيه، أو في بعض رأيه، والتي تابع الأخفش فيها الكوفيين، والتي خالف فيها سيبويه وجمهور البصريين، والتي زاد فيها عليهم، والتي وقف فيها موقفا مستقلا، وغير ذلك، من