من يقول: إن للشاعر عند الضرورة أن يأتي في شعره بما لا يجوز، ولا معنى لقول من قال:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
، وهذا وإن صح وما أشبهه من قوله:
لما جفا إخوانه مصعبا
وقوله:
قفا عند مما تعرفان ربوع
فكله غلط وخطأ وما جعل الله الشعراء معصومين يوقون الخطأ والغلط، فما صح من شعرهم فمقبول وما أبته العربية وأصولها فمردود" (?).
ولقد أوقع المغالون من النحويين القدامى ومن تابعهم أنفسهم بهذا الذي قالوه وفعلوه في تناقض شديد، إذ لو قبلنا منهم أن نصم أمثال هؤلاء الشعراء الكبار باللحن في موطن فمن يضمن لنا سلامتهم من اللحن في مواطن أخرى كان هؤلاء النحاة قد اتخذوا منها سندا في تقرير أصل من أصولهم أو تأييد رأي من آرائهم.
ولو أن النحاة واللغويين البصريين المتشددين قالوا في كل كلام لا ترضاه مقاييسهم وقواعدهم: هو لغة أقل فصاحة، لكان ذلك موقفا حسنا؛ لأن لغات القبائل تتفاوت في مستوى الفصاحة، فلغة أزد عمان مثلا دون لغة هذيل، وهذه أقل من لغة قريش، وهكذا.
ولم تكن نظرة هؤلاء النحاة البصريين إلى القبائل العربية أفضل من نظرتهم إلى من ذكرنا من الشعراء، فهم لم يكونوا يعتدون بكل هذه القبائل، وهم لم ينظروا إليها على حد سواء، كما فعل الكوفيون، بل كان جل اعتمادهم على القبائل الضاربة في كبد الجزيرة؛ مثل قيس وأسد وتميم وهذيل وبعض كنانة وطيء.
كذلك كان نحاة البصرة إذا وجدوا في الشواهد المنظومة - وهي تشكل معظم مادة الشواهد النحوية - ما لا ينطبق على ضوابطهم وأعيتهم الحيل في توجيهها وتأويلها حملوها على الضرورة الشعرية سواء