إليهم حتى لو صح بعضه وكان حقا في طرف من الشواهد والآيات فإنه ليس موقفا مستمرا على الدوام لا يفارقهم أجمعين ولا يفارقونه في جميع أحوالهم، فقد رأينا لبعض أئمة البصريين كسيبويه والأخفش مواقف من القراءات - وغيرها - تتسم بالاعتدال والحرص على الاستفادة منها أيا كانت درجتها وعدم إهدار واحدة منها، فهما - وقد حذا حذوهما أيضا كثير من البصريين - قد أكثرا من الاحتجاج بالقراءات القرآنية في كتبهما، كما كثر عندهما توجيه ما لا يجري من القراءات على مقاييس قومهما وقوانينهم توجيها رفيقا لا قسر فيه أو عنتا أو غلوا ولا تنافر فيه أو إخلالا أو إبعادا.
ولا يغض من هذا ما حدث أحيانا منهما أو من غيرهما من نحاة مدينتهما، فهو قليل من كثير، لا يغير من حقيقة الحكم عليهما وصوابه فيهما وفيمن تشبه في مسلكه بهما من سائر البصريين. صحيح أن سيبويه قد أطلق على بعض القراءات أوصاف القبح أو الرداءة أو الضعف أو الشذوذ (?) حتى ليظن أنه قد خطأها لذلك، لكن هذا - فيما أرى - لا يعني بالضرورة أن تكون هذه القراءات خطأ أي غلطا، فهذه الأوصاف في حقيقة الأمر شيء، والخطأ بمعنى الغلط شيء آخر، والقراءة المتصفة بواحد من هذه الأوصاف تعد صحيحة، ويقال في المعتاد للصحيح الكثير مطرد، في حين يطلق الشاذ على الصحيح القليل أو النادر، وكلاهما فصيح مقبول، وإنما يقاس على المطرد منهما ويحفظ الشاذ ولا يقاس عليه.
ولقد حدث أيضا أن بعض الكوفيين - الذين ينسب إليهم في العادة الانسجام الدائم مع كل القراءات والقبول الكامل بها كما هي