ولقد رمي البصريون أيضا بأنهم -خلافا للكوفيين - لم يستفيدوا في تقرير قواعد النحو وتحرير مسائله من جميع القراءات القرآنية التي تتمثل فيها أفصح لغات العرب حتى إن شذت، مع أن هذه القراءات في كل الأحوال أقوى بكثير من سائر المرويات التي احتجوا بها والتي ليست بقرآن، ومع أن القرآن نفسه بصرف النظر عن قراءاته يعد - كما لا يخفى - الينبوع الأعظم والبرهان الأقوم في مبانيه ومعانيه على حد سواء.
وقد استدل الرامون على ما قالوا بمواقف النحاة البصريين في كثير من المسائل النحوية، ومن هذه المسائل على سبيل المثال:
قول البصريين تبدل الهمزة من حرف المد الزائد الواقع بعد ألف فعائل أو مفاعل نحو عجائز وصحائف، والأصل عجاوز وصحايف؛ لأن مفرده عجوز وصحيفة، ولا تبدل منه إذا كان أصليا مثل معايب جمع عيب ومعاون جمع عون فلا يقال فيهما معائب (?) ومعائن.
ولما أوردت عليهم قراءة نافع "لكم فيها معائش" قالوا إنها ضعيفة في القياس (?)، على الرغم من أن نافعا من القراء السبعة وقد روى قراءته العديد من الثقات.
وقول بعضهم لا يجوز تسكين لام الطلب بعد ثم إلا في ضرورة (?) الشعر مع أن جمهور السبعة قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} (?)، وقرأ حمزة والكسائي من السبعة وغيرهما قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} (?) بالسكون، وليس في الآيتين ضرورة شعرية.
وقول طائفة منهم لا يجوز صوغ اسم التفضيل من أفعل الرباعي إلا شذوذا (?) وحين أورد عليه قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} (?) وفيه أقسط وأقوم المصوغان من أقسط وأقام الرباعيين،