ب) القراءات القرآنية وموقف البصريين والكوفيين بعامة منها:
مما عيب به البصريون الإسراف في التأويل والتقدير في آيات القرآن التي تخالف أقيستهم وقواعدهم في حين رغب الكوفيون عن هذا إلا في الضرورة.
وفي ظني أن البصريين، وكذلك الكوفيون الذين فعلوا ذلك، إنما فعلوه جميعا لغرض طبيعي هو محاولة إقامة التناسب وإزالة التنافر بين النص وقانونهم النحوي، ولا يلزم أن يكون ذلك لخطأ النص وفساده بل هو إظهاره عن طريق التأويل والتقدير لما في حقيقة هذا النص من التطابق مع قانونه خلافا للتناقض الظاهر بينهما، فيصح النص وكذلك القاعدة ويزول ما يبدو بينهما من تناقض غير حقيقي ويظهر الانسجام بين ما أولوه ووجهوه وقدروه وبين ما قعدوه وقننوه، وفي التمثيل لذلك نذكر قول البصريين: إن الجملة الاسمية إذا وقعت جوابا للشرط وجب ربطها بالفاء وقد تنوب عنها إذا الفجائية، ولما عورضت قاعدتهم هذه بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (?) أولوا الشاهد في الآية وقالوا إن "إذا" فيها ليست شرطية وإنما هي ظرف زمان لخبر المبتدأ بعدها، لأنها لو كانت شرطية هنا لوجب اقتران جوابها بالفاء (?).
ولما عورضوا أيضا بقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} (?)