سيبويه بل ربما نقضها وأخرى خالف فيها سائر البصريين، كما أنه أخذ في بعض الأحيان ببعض رأي سيبويه في المسألة الواحدة ورفض بعضه، وروي له في بعض المسائل قولان تابع سيبويه في أحدهما وخالفه في الآخر، وله أيضا مواقف عاد فيها إلى موافقة سيبويه في عدد من الآراء، كان خالفه فيها من قبل، وذكر أن ما عاد إليه هو آخر قوليه (?)، كذلك كانت له مذاهب وآراء كثيرة اتفق فيها مع الكوفيين، مما يسمح بأن يعد واحدا ممن فتحوا أبواب الدرس النحوي أمامهم في وقت مبكر ومهدوا لهم طريقه حتى أصبح له طابعه الخاص الذي عرف به فيما بعد.
إن فضل الأخفش على نحو الكوفيين واضح، فقد صنف لهم كتاب "المسائل الكبير" في النحو بعد أن سأله هشام بن معاوية الضرير الكوفي عن مسائل عملها وفروع فرعها، وبعد أن رأى أيضا اهتمام تلاميذه الكوفيين جميعا بالمسائل المتفرقة في النحو والصرف واعتمادهم عليها فلم يعرفوا أكثر مما أورده الأخفش لهم (?) في هذا الكتاب.
ولقد كان لإقراء الأخفش (?) الكسائي الكوفي كتاب سيبويه أثر في العلاقة العلمية بين الرجلين، فقد تقوت هذه العلاقة بذلك واتصلت، ومن ثم أثرت في نحو الكسائي أولا، وفي نحو الأخفش أيضا، فكان التأثير بذلك متبادلا بين الأستاذ وتلميذه. كذلك ظهر تأثير الأخفش في تلميذه الفراء الكوفي ظهورا واضحا في كتاب "معاني القرآن" الذي عمله الفراء على كتاب الأخفش وكتاب الكسائي (?) فيها.
وهكذا كان شأن سائر الأئمة في الدرس النحوي واللغوي على مر الأيام والعصور. ولنلق الآن نظرة فاحصة على مسائل الأخفش وآرائه ومواقفه، وهي مبثوثة في كتب النحو، وأكثر من أن تحصى، وسنختار في