يراد له أن يلبس لباس القانون الجازم الذي لا يند عنه مخالف ولا يشذ عن إطاره فرد واحد.
ونحن إذا أمعنا النظر في هذا التقسيم بشكل موضوعي وأدرنا فيه النظر الفاحص، وأمعنا في تحليله وتقليبه وطبقناه على أرض الواقع نجد أنه ليس دقيقا، بل ليس صوابا، لما فيه من تعميم يوقع الباحثين في الخلط أو الخطأ.
والحق أن كل إمام من أئمة المدرستين كان له اتجاه عام في دراساته النحوية يوافق فيه أهل مدرسته من أكثر الوجوه، ولكنه في الوقت نفسه كان يخالفهم أو يتفرد من بينهم في وجوه أخرى خاصة وفي مواقف ومسائل بأعيانها، ولولا هذا لما كان إماما ولما استحق هذا اللقب، فالأمر عند كل واحد من هؤلاء لا يقتصر على التقليد المطلق لأهل بلده فقط ولا على الاجتهاد المتفرد الذي يسلخه دائما عن الطابع العام لمدرسته التي ينتسب إليها، وإنما هو مزيج من هذا وذاك فهو تارة مقلد وأخرى متفرد.
والتمايز بين هؤلا الأعلام إنما يكون بكثرة التقليد وغلبته على التجديد عند أحدهم، فيسلك لذلك في المقلدين، أو بظهور التجديد ظهورا بينا متمايزا في طائفة حسنة من مسائله، فيسلك لذلك في المجددين، أو بمراوحته بين هذا الموقف وقسيمه فيكون في هذا الفريق باعتبار وفي الآخر باعتبار مخالف.
ونحن نجد في كتب النحو وأبحاثه أمثلة كثيرة لهذا، فسيبويه إمام البصريين مثلا كانت له آراء خالفه فيها أشياخه، والفراء شيخ مدرسة الكوفة كان له مذهب انحرف فيه عن مذهب الكسائي شيخ الكوفيين قبله في غير ما موطن، ولنحوينا الأخفش الأوسط آراء خالف فيها أستاذه