موضعه الصحيح من تاريخ النحو والنحاة، وذلك على نحو جديد يظهر معه وجه الحق على ما ينبغي له من الوضوح والإنصاف.
وهناك حقيقتان لا بد بادئ ذي بدء من التذكير بهما:
أولاهما: ما تقرر في الأذهان واستقر في الأفهام وأفاض الباحثون في بيانه من أن العربية لغة خصبة تمتاز بتنوع لهجاتها وتعدد لغاتها، وأنها ثرية بمنظومها غنية بمنثورها، ثرية بأفانين القول وبديع المعاني فيهما، تجد فيها الشعر الرائع والنثر الرفيع والحكمة الفائقة والمثل الدقيق، وأن القرآن الذي نزل بهذه اللغة يتميز بوفرة قراءاته وتنوع درجات هذه القراءات، وبأنه سنام الفصاحة وذروة البلاغة.
والثانية: ما هو معروف من أن موقف نحاة البصرة ونحاة الكوفة في دراساتهم النحوية لم يكن واحدا، بل كان متمايزا ومتفاوتا، وأن كلا من الفريقين على وجه العموم وبعض مشاهير النحاة وأعلامهم من كل فريق على وجه الخصوص - قد اتخذوا مواقف مختلفة ومستقلة من الموروثات اللغوية والتزموا أطرا خاصة بفرقهم أو بأنفسهم. وقد أكثر الدارسون من بيان هذا كله إلى جانب إسهامهم في إيضاح الأسس العامة التي التقى عليها جمهور الفريقين، وهم لا يخرجون عن القول بأن موقف النحاة البصريين من الأخذ بأصول الاحتجاج في النحو كان متشددا في حين كان موقف الكوفيين متساهلا.
ولقد أصبح هذا القول مستقرا في الأذهان متداولا على الألسنة مسجلا في الكتب. والحق أن هذه القسمة الضيزى التي أرادوا لها أن تكون قاطعة صائبة دقيقة شاملة - ليست كذلك؛ لأن طبيعة الاتجاهات العلمية العامة تنفر من مثل هذا التحديد الصارم والتقسيم الحاسم الذي