وفي ظني أن حرص الأخفش على المال واتخاذه الوسيلة للحصول عليه عن طريق إغماض المعاني وإبهام المباني حتى يحتاج إليه في إدراك المقاصد فيعمد إلى التعلم بالأجر الذي يريد - إنما كان منه لكي لا يصير إلى ما صار إليه الخليل، وقد عرف أنه عاش فقيرا في خص من خصاص البصرة لا يشعر به أحد وأصحابه يكسبون بعلمه وكتبه الأموال (?)، أو إلى ما صار إليه سيبويه الذي لم يسعفه الحظ في الوصول إلى الثروة والجاه في حياته كما اشتهى، وليصبح في وصوله إلى مراده منهما كالكسائي والفراء فيهيء لنفسه العيش الكريم والمنزلة اللائقة مثلهما.

ويؤكد هذا المعنى ما هو معروف من قصة الأخفش مع الكسائي، حين ذهب الأخفش من البصرة إلى بغداد؛ ليثأر لأستاذه سيبويه من خصمه الكسائي، الذي هزمه بغير وجه حق في المناظرة الشهيرة في المسألة الزنبورية في دار الرشيد بحضرته وحضرة وزيره وعلية القوم معهم، ولم يكن سيبويه نفسه ليذهب إلى بغداد ليناظر الكسائي شيخ الكوفيين إلا طمعا في مثل ما رآه عليه من قرب للخلفاء والأمراء والوزراء ونحوهم، وإلا رغبة فيما يؤدي إليه هذا في العادة من نعيم ورفاهية فارهة ونفوذ علمي كان الكسائي ورؤساء النحاة الكوفيين يتمتعون بها جميعا، كذلك لم يكن تلميذه الأخفش - وهو البصري الأصيل كأستاذه - ليتحول بعد وصوله بغداد ولقائه بالكسائي وترحيب هذا به من العداء له بخاصة والخلاف مع الكوفيين بعامة إلى نقيض ذلك تماما لولا ميله إلى مثل ما مال إليه سيبويه من قبل ورغبته فيما رغب فيه، وقد تحقق له على كل حال ما لم يتحقق لأستاذه، فعاشر العظماء في بغداد وعاش مع الكبراء، واختلط بهم، وعلم أولادهم، وأقام المناظرات في مجالسهم، وأفاد منهم مالا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015