وجاها، كما استفادوا منه وأولادهم علما ومعرفة، كذلك مازج نحاة الكوفة الميقيمين في بغداد وخالطهم وأقرأ شيخهم الكسائي كتاب سيبويه سرا، وانتهى به الأمر إلى الاتفاق فيما بعد معهم في شطر كبير من آرائهم ومذاهبهم، وإلى الاختلاف مع قومه وأهله من البصريين اختلافا نجده ماثلا في طائفة كثيرة من المسائل النحوية المبثوثة في الأمهات وغيرها.

هذا هو الأخفش وهذه هي صورته العلمية ومنزلته العقلية عرضناها فيما سبق من مناقشات، ومن خلال ما أوردنا أيضا في ترجمته من أخبار ومعلومات، وهي جميعا تلقي عليه الضوء ساطعا، وتعد مدخلا حسنا للشروع في درس نحوه درسا على مقدار من التفصيل يناسب طبيعة مثل هذا البحث، لنتمكن من أن نتبين في خاتمة المطاف حقيقة وضعه بين النحاة، ولنعرف درجته في الفن، ولنجيب بعد ذلك على تساؤل مفاده: هل كان الأخفش نحويا كبيرا يسير على وتيرة نظرائه من الكبار فحسب، أم أنه حاول التجديد وأراد أن يشق طريقا مستقلا مميزا خاصا به، أم أنه كان بين بين، يقلد تارة ويجدد أو يحاول التجديد تارة أخرى؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015