لقراءته عليه؛ لأنه كان أعلم الناس به وأكثرهم اطلاعا عليه، كما اشتهر عنه استحسانه له ورأيه بأنه لا نظير له في حسنه وصحته وجمعه لأصول النحو وفروعه، وقد علم بهذا الجرمي والمازني فيمن علم فخشيا أن ينتحله، واتفقا على أن السبيل إلى إظهاره ومنع الأخفش من ادعائه هو قراءته عليه بالأجرة، فأرغباه بها مجزية، فقبل، وشرعا في ذلك وأخذا الكتاب عنه ومن ثم أعلنا أنه لسيبويه وأشاعا ذلك (?).
إن هذا الزعم لم يثبت على وجه القطع وإن ثبتت قراءة الجرمي والمازني الكتاب على الأخفش، ذلك أنه كان من الممكن أن يكون حب الأخفش للمال ورغبته فيه وميله للاستكثار منه سببا يحمله على أن يضن بإقراء كتاب سيبويه لمن يرغب في ذلك من الطلاب إلا بأجر كبير وداعيا له على أن يخفيه حتى يحمل الراغبين فيه على الانصياع لرغبته في هذا الأجر ولا سيما أنه وحده المالك للنسخة الوحيدة منه، فإنه ليس من الضروري في حكم العقل أن يكون ذلك سببا قطعيا نتهمه من أجله بمحاولة انتحال الكتاب، إذ لا رابط بين الأمرين على وجه لازب. إن هذا الاتهام الذي لم تجمع عليه الروايات ولم يردده أكثرها ملفق في غلبة الظن وهو إن كان صدر من الجرمي والمازني فإنه لا يخلو أن يكون مسببا من الحسد الطبيعي الذي لا يستغرب بين كبار العلماء أو أن مبعثه سبب أو آخر من الأسباب الشخصية.
وأيا ما كان الداعي فإن مرد هذا الأمر كله إنما هو بدون شك إلى ما كان عليه الأخفش من منزلة عليا وما اتصف به من اقتدار وتفوق ونبوغ في درس اللغة والنحو مما أنفس معاصريه وغيرهم وأوجدهم وأحفظهم عليه.