الفصل الثالث:
إذا عرفت ما قدمناه من مراتب فاعلم أن القرآن في مراتب بيانه على ذلك: فالفاتحة التي هي أم القرآن مشتملة على مقاصده الكلية من حيث الإجمال، ثم باقي القرآن يبين ذلك في رتبة ثانية من البيان، ثم السنة بينته في رتبة ثالثة من البيان، لأنها بيان القرآن، لقوله -عز وجل-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (?) ثم العيان في الدنيا والآخرة بينه في رتبة رابعة، وهي غاية البيان، إذ لا أبين من العيان، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} (?)، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} (?)، {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (?)، {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (?)، {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} (?) الآيات ونحوها.
ولنشرح ذلك على وجه يظهر، وذلك من وجوه:
أحدها: أن القرآن مشتمل على مقاصد الإيمان، وهي التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما ثبت ذلك في حديث جبريل في الحديث الصحيح، وهذا هو مقصود القرآن بالذات، ولذلك سمى إيمانا في قوله -عز وجل-: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (?) يعني بالقرآن فيما قاله بعضهم. وهذه المقاصد كلها مشار إليها في الفاتحة: