الشرعية عندنا، وأن الله تعالى لا يحبه ولا يرضى به، إلا أنه قد يخرج من أن يكون مصلحة لعدم توافق الأخلاق وتباين الطبائع، أو لفساد يرجع إلى نكاحها، بأن علم الزوج أن المصالح تفوته بنكاح هذه المرأة، أو أن المقام معها يسبب فساد دينه ودنياه، فتنقلب المصلحة في الطلاق، ليستوفي مقاصد النكاح من امرأة أخرى، إلا أن احتمال أنه لم يتأمل حق التأمل، ولا ينظر حق النظر في العاقبة قائم، فالشرع والعقل يدعوانه إلى النظر، وذلك في أن يطلقها طلقة واحدة رجعية، حتى إن التباين والفساد إذا كان من جهة المرأة تتوب وتعود إلى الصلاح إذا ذاقت مرارة الفراق، وإن كانت لا تتوب نظر في حال نفسه، أنه هل يمكنه الصبر عنها؟ فإن علم أنه لا يمكنه الصبر عنها يراجعها، وإن علم أنه يمكنه الصبر عنها يطلقها في الطهر الثاني.
ثانيا: ويجرب نفسه، ثم يطلقها فيخرج نكاحها من أن يكون مصلحة ظاهرا وغالبا، لأنه لا يلحقه الندم غالبا، فأبيحت الطلقة الواحدة أو الثلاث في ثلاثة أطهار على تقدير خروج نكاحها من أن يكون مصلحة، وصيرورة المصلحة في الطلاق، فإذا طلقها ثلاثا جملة واحدة في حالة الغضب، وليست حالة الغضب حالة التأمل، لم يعرف خروج النكاح من أن يكون مصلحة فكان الطلاق إبطال للمصلحة من حيث الظاهر، فكان مفسدة.
والثاني: أن النكاح عقد مسنون، بل هو واجب لما ذكرنا في كتاب النكاح، فكان الطلاق قطعا للسنة وتفويتا للواجب، فكان الأصل هو الحظر أو الكراهة، إلا أنه رخص للتأديب أو للتخليص، والتأديب يحصل بالطلقة الواحدة الرجعية.
لأن التباين أو الفساد إذا كان من قبلها، فإذا ذاقت مرارة الفراق فالظاهر أنها تتأدب وتتوب وتعود إلى الموافقة والصلاح، والتخليص يحصل بالثلاث في ثلاثة أطهار، والثابت بالرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة، وحق الضرورة صار مقضيا بما ذكرنا فلا ضرورة إلى الجمع بين الثلاث في طهر واحد، فبقي ذلك على أصل الحظر.
والثالث: أنه إذا طلقها ثلاثا في طهر واحد فربما يلحقه الندم، وقال تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (?). قيل في التفسير: أي ندامة على ما سبق من فعله أو رغبة فيها، ولا يمكنه التدارك بالنكاح فيقع في السفاح، فكان في الجمع احتمال الوقوع في الحرام، وليس في الامتناع ذلك، والتحرز عن مثله واجب شرعا وعقلا، بخلاف الطلقة الواحدة لأنها لا تمنع التدارك بالرجعة، وبخلاف الثلاث في ثلاثة أطهار، لأن ذلك لا يعقب الندم ظاهرا، لأنه يجرب نفسه في الأطهار الثلاثة فلا يلحقه الندم. . انتهى المقصود.