وقال السرخسي (?) وعلى هذا الأصل - أي توجيه إيقاع الثالث في ثلاثة أطهار - قال علماؤنا رحمهم الله: إيقاع الثلاث جملة بدعة - وبعد أن ساق مذهب الشافعي في إباحته وأدلته، ساق الدليل على تحريمه، وهو قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (?) قال: معناه دفعتان، كقوله: أعطيته مرتين وضربته مرتين، والألف واللام للجنس، فيقتضي أن يكون كل الطلاق المباح في دفعتين ودفعة ثالثة في قوله تعالى: فإن طلقها أو في قوله عز وجل: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (?) على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير، وفي حديث محمود بن لبيد رحمه الله تعالى: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - مغضبا فقال: «أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم (?)».
واللعب بكتاب الله ترك العمل به، فدل أن موقع الثلاث جملة مخالف للعمل بما في الكتاب، وأن المراد من قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (?) تفريق الطلقات على عدد أفراد العدة، ألا ترى، أنه خاطب الزوج بالأمر بإحصاء العدة؟ وفائدته التفريق، فإنه قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (?) أي يبدو له فيراجعها، وذلك عند التفريق لا عند الجمع.
وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - أن قوما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: «إن أبانا طلق امرأته ألفا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: بانت امرأته بثلاث في معصية الله تعالى، وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون وزرا في عنقه إلى يوم القيامة».
وإن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - لما طلق امرأته في حالة الحيض، أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها. فقال: «أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا، بانت منك وهي معصية (?)». وبعد أن بين وجه الرد على استدلال الشافعي - رحمه الله - بقصة لعان عويمر العجلاني، وأنه طلق ثلاثا ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم -.
قال: ولنا إجماع الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فقد روى عن علي، وعمر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر، وأبي هريرة، وعمران بن حصين - رضي الله تعالى عنهم - كراهة إيقاع الطلاق الثلاث بألفاظ مختلفة.
وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه قال: لو أن الناس طلقوا نساءهم كما أمروا لما فارق الرجل امرأته وله إليها حاجة، إن أحدكم يذهب فيطلق امرأته ثلاثا ثم يقعد فيعصر عينيه، مهلا مهلا بارك الله عليكم. فيكم كتاب الله وسنة رسوله، فماذا بعد كتاب الله وسنة رسوله إلا الضلال ورب الكعبة. .
وقال الكرخي (?) لا أعرف بين أهل العلم خلافا: أن إيقاع الثلاث جملة مكروه، إلا قول ابن سيرين، وإن قوله ليس بحجة - ثم ساق الرد على ما استدل به الشافعي من الآثار، ثم ذكر بعد ذلك دليلا من جهة المعنى، وقد سبق ما يوافقه عن الكاساني -.