وقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (?) أي دفعتان، ألا ترى أن من أعطى آخر درهمين، لم يجز أن يقول أعطاه مرتين حتى يعطيه دفعتين.
وجه الاستدلال: أن هذا وإن كان ظاهر الخبر، فإن معناه الأمر، لأن الحمل على ظاهره يؤدي إلى الخلف في خبر من لا يحتمل خبره الخلف، لأن الطلاق على سبيل الجمع قد يوجد، وقد يخرج اللفظ مخرج الخبر على إرادة الأمر، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (?) أي ليرضعن ونحو ذلك، كذا هذا، فصار كأنه سبحانه وتعالى قال: طلقوهن مرتين إذا أردتم الطلاق، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع، لأنه ضده، فيدل على كون الجمع حراما أو مكروها على ما بينا.
فإن قيل: هذه الآية حجة عليكم، لأنه ذكر جنس الطلاق، وجنس الطلاق ثلاث، والثلاث إذا وقع دفعتين، كان الواقع في دفعة طلقتان، فيدل على كون الطلقتين في دفعة مسنونتين.
فالجواب: أن هذا أمر بتفريق الطلاقين من الثلاث لا بتفريق الثلاث، لأنه أمر بالرجعة عقب الطلاق مرتين أي دفعتين بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} (?) أي وهو الرجعة وتفريق الطلاق وهو إيقاعه دفعتين لا يتعقب الرجعة، فكان هذا أمرا بتفريق الطلاقين من الثلاث، لا بتفريق كل جنس الطلاق وهو الثلاث والأمر بتفريق طلاقين من الثالث يكون نهيا عن الجمع بينهما.
وأما السنة فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن (?)» نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الطلاق، ولا يجوز أن يكون النهي عن الطلاق لعينه، لأنه قد بقي معتبرا شرعا في حق الحكم بعد النهي، فعلم أن ههنا غيرا حقيقيا ملازما للطلاق يصلح أن يكون منهيا عنه، فكان النهي عنه لا عن الطلاق، ولا يجوز أن يمنع من الشرع لمكان الحرام الملازم له، كما في الطلاق في حالة الحيض، والبيع وقت النداء، والصلاة في الأرض المغصوبة، وغير ذلك.
وقد ذكر عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضربا وأجاز ذلك عليه. وذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم - فيكون إجماعا.
وأما المعقول: فمن وجوه:
أحدها: أن النكاح عقد مصلحة لكونه وسيلة إلى مصالح الدين والدنيا، والطلاق إبطال له، وإبطال المصلحة مفسدة، وقد قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (?) وهذا معنى الكراهة