أما أن تتمتع القضايا الأم تحت عناوين مستحيلة يسمح الداعية فيها لنفسه أن يسوي بين القرآن والإنجيل كمرجع للبحث متناسيا الفروق الجوهرية كي نصل - على حد تعبيره - إلى " أن الديانتين واحدة في الأصل والمبدأ والغاية ".
ثم ينطلق من مطالبة القرآن لنا أن نؤمن بالرسالات السابقة ورسلها وكتبها إلى القول " فكل مسلم مسيحي وزيادة، وعليه فأي غضاضة على مسيحي العرب في هذا المشرق أن يكونوا مسلمين مسيحيين كما نحن مسلمون مسيحيون، إذ لا يخرج المسيحي لو أسلم عن مسيحيته الحقيقية أصلا ولا عن نصرانيته الحقة أبدا ".
ونحن بحمد الله مؤمنون بالرسل جميعا ولا نفرق بين أحد منهم، ولكننا لسنا مسيحيين لأننا آمنا بعيسى عليه السلام رسولا، ولسنا يهودا لأننا آمنا بموسى عليه السلام رسولا، فإن قضية الإيمان قضية تصديق، ارتباطها بالقلب وما اعتبرنا مسلمين إلا بالانقياد التطبيقي لما جاء به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- من تشريع، وهذا مجاله الجوارح عملا وتركا تجاوبا مع الأمر والنهي، وهذا سبيل تباينت فيه الأديان {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (?) 48 المائدة.
وكيف ينسى الداعية - مهما حسنت نيته - أن الشرائع ينسخ اللاحق منها السابق، وهذا نص كريم {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (?)
ثم كيف يوصف المسلمون بأنهم " مسلمون مسيحيون " وقد ناداهم ربهم في قالب المنة والتكريم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (?) 3 المائدة.
ورب الأديان الذي أنزلها لم يعتمد في كتابه الخاتم سواه {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (?) 19 آل عمران. . . بل حسم الأمر غاية حيث يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (?) 85 آل عمران. . . ظن أخونا الداعية أنه بهذا يستميلهم أو ينال رضاهم، ونسي أن القضية مطروقة وقديمة وأن الله تبارك وتعالى خاطب سيد المرسلين بقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (?) 120 البقرة. ثم ينادي داعيتنا الكريم باسم الإسلام " مسيحيي العرب في هذا الشرق " أن يتبعوا سيدا من قومهم وسلالة أجدادهم وآثارها جنسية وقومية ووطنية إلخ. وفاته أن معتنقي المسيحية في العالم أضعاف العرب وكذلك الحال في المسلمين، وفاته أن هذا الأسلوب يتجافى مع روح الإسلام الحقة ويخالف طبيعة رسالته العامة، وأن مهمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما حكاها القرآن الكريم {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (?) 9 الصف. . . وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أدى ذلك البلاغ وسجل القرآن له {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (?) 158 الأعراف.