تضخمت هذه الخلايا إبان القرن الثالث الهجري، واتخذت من سلمية - إحدى بلدان حماة في الشام - وكرا سريا لها.
ويعد ميمون القداح العامل بالقداحة - وهو من اليهود الآخذين بفكر الغنوصية - المؤسس الحقيقي للباطنية، والذي انضم إلى الشيعة من آل البيت ليناصرهم - على حد زعمه، ولكنه دس فيه من السموم والإسرائيليات والتأويلات الباطنية ما أصبح من العسر فهمه، وقد ساعدت فترة الستر التي عاشوها في سلمية على ازدياد ذلك الغموض. وعلى كل حال يمكننا أن نميز ثلاثة أصول قامت عليها الباطنية ومفرزاتها:
الأول: الفلسفة اليونانية وما يتصل بها من مصطلحات ورموز وعلم الإلهيات.
والحقيقة أن علم الإلهيات ذلك ما هو إلا علم الأصنام عند اليونان، إذ فلسفوه وأضافوا إليه بعض الرموز الفنية ثم توارثتها الأجيال، حتى وصلت إلينا مترجمة إلى العربية. وهذه الفلسفة بفروعها تعارض بلا شك قواعد التوحيد الإسلامي؛ لأنها تعارض النبوة والوحي والجزاء، وقد لجأ إليها المترجمون من السريان واليهود إبان عصر ازدهار الترجمة؛ ليتخذوا منها وسيلة لهدم الدين، وإسقاط التكاليف والدعوة إلى الإباحية المطلقة، وقد انعكس ذلك بالتالي على مقدسات المسلمين وتعطيل أعمال الحج وطمس شعائره.
والعجيب أن المسلمين الأوائل كانوا على حذر من هذه الفلسفة عندما أقبلوا على ترجمة علوم اليونان، إذ لم يكن دافعهم الترجمة المطلقة، وإنما أرادوا منها العلوم الطبيعية والرياضيات، وعارضوا بشدة ترجمة الإلهيات والميتافيزيقا اليونانية؛ لأنهم كانوا حريصين على ألا يختلط هذا العلم بعلوم الدين الإسلامي حتى تبقى لهذه العلوم الإسلامية طابعها الإيماني الصحيح.