وقد بدأت طلائع غزو الفلسفة اليونانية لفكرنا الإسلامي مع مجيء " عبد الله بن المقفع " الفارسي المجوسي الذي ادعى الإسلام، فهو الذي نقل إلى العربية الفكر المجوسي، وكان تمهيدا لترجمة كتب الإلهيات الوثنية والإغريقية والفارسية، ومن أبرز كتبه التي ترجمها كتاب " ديستاو " وهو كتاب مزدك الذي يحتوي على جملة عقائده وأفكاره، كما يعد كتاب " كليلة ودمنة " من أخطر الكتب التي قام بترجمتها، إذ أضاف إليه بابا من إنشائه سماه " برزويه " أراد به بث سموم المجوسية إلى المسلمين، فنراه في هذا الباب ينقد الدين، ويتكلم عن تعارض الأديان، وعن عدم التوصل إلى اليقين إلا بالعقل وحده، الذي يعد في نظره أعظم وسيلة للمعرفة (?).

وقد تنبه مفكرو المسلمين الأوائل إلى خطورة هذا العمل الذي قام به ابن المقفع، فنجد البيروني يشير إلى ذلك في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة) (?)، ويركز بصفة خاصة على الباب الذي أضافه بعنوان " برزويه "، ويشير إلى دهاء ابن المقفع الذي أراد به تشكيك ضعاف الإيمان في دينهم، أو الاتجاه بهم إلى الدعوة المانوية، كما أشار الخليفة العباسي " المهدي " إلى زندقة ابن المقفع قائلا: " وما وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع " (?) هذا، وعلى الرغم من إحساس المسلمين الأوائل بخطورة هذا الكتاب إلا أنه للأسف الشديد يلقى في هذا الأيام قبولا وإعجابا، بل لم يقف بنا إلى هذا الحد، وإنما يقرر في مدارس بعض البلدان العربية على أنه نموذج من نماذج الأدب الرفيع.

الثاني: التأويل، ويعد من أهم المبادئ التي قامت عليها أفكار الباطنية. إذ قالوا: إن لظواهر القرآن والأحاديث النبوية بواطن، ثم ميزوا بين ظواهرها وبواطنها، وفضلوا الباطن الذي في نظرهم لا يعرفه إلا الإمام أو من ينوب عنه، من هنا فسروا آيات القرآن تفسيرا باطنيا، وحرفوا معانيها تحريفا مقصودا يخدم أغراضهم وأفكارهم، ثم أولوا أركان الشريعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015