وفي اعتقادي أن للحرمين الشريفين رسالتهما المهمة في تخفيف هذه العزلة الفكرية التي ابتليت بها أمتنا العربية والإسلامية، والتي تعد في نفس الوقت من أخطر الحركات المعادية، فإن موقع الحرمين الشريفين في ملتقى الجناحين الإسلاميين كان بمثابة همزة الوصل الفكري بين مسلمي الشرق والغرب، والمحطم لجدار العزلة الثقافية الذي أقامه الاستعمار منذ أكثر من قرن من الزمان، فقد كانت وفود الحجيج من قارة آسيا وإفريقيا وأوروبا تلتقي جميعها بأفكارها وعقولها ومشاعرها حول شعائر واحدة، متجردين من كل نزعة إقليمية أو جنسية أو مذهبية، متخذين من موسم الحج مؤتمرا إسلاميا يتدارسون فيه أوضاعهم ومشاكلهم، ويتبصرون بالمخاطر التي تحف بهم، وبعقيدتهم وشريعتهم الغراء، ثم يعودون إلى بلادهم وقد ذابت العقد الفكرية تماما، وانفتح مفكرو الشرق على ثقافة أهل الغرب، والتقى الجميع حول معتقدات فكرية واحدة، وأصول ثقافية إسلامية محددة، محافظين على قيم أمتهم الكبرى والصغرى، التي سار عليها المسلمون قرونا متطاولة، بعيدين عن الانبهار بالثقافات الغربية أو اعتقادات أصحاب النحل الضالة.

ب) العلمانية وتجميد المشاعر الدينية نحو المقدسات:

تشكل العلمانية خطرا داهما على الإسلام والمسلمين بوجه خاص، وعلى سائر الديانات بوجه عام، وتكمن خطورة هذه الدعوة في شعارها الذي تنادي به دوما، وهو فصل الدين عن الدولة، والذي ينعكس بالتالي على الإسلام والمسلمين، فهم يرون أن الدين له مجالاته في العبادات والشعائر، بينما للعلم وللعلماء قيادة الركب الحضاري والسياسي في الدولة، ولا يخفى على أحد أن لهذه الدعوة آثارها السلبية في تجميد المشاعر الدينية، والانزواء بها بعيدا عن تيارات الحياة مما أدى إلى تفشي المادية، والاستغراق في اللذات، وغياب القيم الروحية، والانفلات عن كل التزام بدعوى التطور العلمي والتقدم التكنولوجي، وإن كان الأمر يفضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015