وليس من المستغرب أيضا أن يكون لبعض مفكرينا دور بارز في هذه العزلة الثقافية، فإن كان في عالمنا العربي والإسلامي مناطق ذات جغرافيات مختلفة، ولكل منطقة ظروفها الخاصة، فإننا لا نخشى من هذه الخصوصيات؛ لأنها أخيرا تصب في مورد واحد، وبالتالي لا ضير من اختلاف المناهج الثقافية إن تعددت مواردها بشرط الاحتفاظ بأصالتها من جهة وبإمكانية انفتاحها على الثقافات الأخرى إن كان اللقاح بينهما سيؤدي في النهاية نتاجا مشتركا يحمل هوية عربية إسلامية، ولكن مما يؤسف له أن بعض مفكرينا لم يأخذ بهذه النظرية وتمسك بأفكار مسبقة أخذت مكانتها في أذهان المفكرين، وكأنها مسلمات أصبح من الصعب انتزاعها مع شعور بالكبر والتعالي حينا، أو شعور بالرضا والقناعة حينا آخر، كل في بيئته قانع بما عنده، ولا يشعر بضرورة الانفتاح الفكري، وتبادل التأثر والتأثير مع غيره في المشرق أو المغرب الإسلاميين.
ومن هنا أصبح من الضروري أن نلتقي للتعرف على أنفسنا، ولا نخش مطلقا من اختلاف الآراء ووجهات النظر للتخلص أولا من العقد المتراكمة في نفوس بعضنا، ومن الرواسب التاريخية والبيئية والقومية التي خلفها لنا الماضي القريب والاستعمار العنيد، ثم ننهض معا بعد ذلك لتلمس أوضاعنا الثقافية والفكرية والدينية التي تعانيها اليوم أمتنا الإسلامية لنجد لها حلولا مناسبة، تعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا، وترد إلينا عزتنا وكرامتنا، ونتحول بها تحولا كبيرا، ولا عجب في ذلك، فإن التحولات الكبرى في العالم بدأت من المثقفين وأصحاب الفكر وأرباب الأقلام في كل أمة.
ومما يحمد حقا أن الله قد من على أمتنا بنخبة من المفكرين والمثقفين في شتى مجالات الفكر الإسلامي موزعين في الجناحين: الشرقي والغربي، وجميعهم يمكن أن يناط بهم دور قيادي أمام جماهيرنا العربية والإسلامية، يعملون على هدم الجدار القائم بين هذين الشطرين، ويساعدون على تخفيف العزلة، وتيسير الأوضاع والعقليات في بلادنا.