والاجتماعي للأمة الإسلامية، فبرزت القومية الهندية، والفارسية والفرعونية والكردية والبربرية، إلى غير ذلك من دعوات عملت على تعميق الهوة والاختلاف، وإشعال جذوة الصراع الفكري والعقدي بين مسلمي الجناحين؛ فلا يصح في عقل ولا منطق أن تتجاوز كل من القاديانية في قاديان، والبهائية في شيراز حدودهما الجغرافية من بلاد فارس، وما كان دعاتها المؤسسون سوى بقايا الشعوبية الحانقة على الإسلام، فإذا كانت اليهودية العالمية بشهادة الوثائق هي التي بشرت بالبهائية والقاديانية وروجت لهما حتى تكاثرت خلاياهما في عالم اليوم، فكيف استطاعت هاتان النحلتان أن تغزوا فكرنا المعاصر من حيث لا ندري، وقد أعيا اليهود منذ القدم أن تنفذ إليه، فكيف أفلحت إذن كل من هاتين النحلتين الآسيويتين؟ بلا شك أنه عمل صهيوني خطير قصد منه تمزيق أواصر الوحدة الفكرية التي نعم بها المسلمون قرونا طويلة.
وفي إطار تمزيق الوحدة الفكرية الذي بدأ مع ليل الاستعمار البغيض، أصبحت بلاد المسلمين مرتعا خصبا للإرساليات التبشيرية، والبعثات العلمانية الأجنبية من كل جنس وملة، فنشبت أظفارها في ديارنا تتولى أبناء المسلمين منذ نعومة أظفارهم وتتعهدهم بالتربية والتعليم والتثقيف لتخرجهم غرباء من وطنهم، وقد فرطوا في عناصر أصالتهم، وجهلوا حقائق تاريخهم.
ومما يستغرب له حقا أنه حتى بعد رحيل الاستعمار عنا، فإن الإشعاعات الثقافية الغربية ما زالت ماثلة في عقولنا، وما زلنا نستقي العديد منها دون أدنى تمييز بين الصالح والطالح منها، نكرر كلام الأساتذة المستشرقين بدون وعي، ونرجع إليهم فيما ينشرون من أبحاث، ونأخذ عنهم كل ما يقولون، وبين ثنايا الكتب سهاما مسمومة موجهة وجهات معينة، الهدف منها تعميق الهوة بين مفكري الأمة الإسلامية.