والتوسعة والبناء والترميم، وجميعها بلا شك خدمات جليلة يشهد بها التاريخ في الماضي، ويقرها الواقع اليوم، فإن هناك بجانب هذه الخدمات رعاية أخرى أسمى وأعمق؛ لنواجه بها بكل حزم وقوة تلك الاتجاهات المضللة والنحل الضالة، التي أرادت أن توهن من قدر هذه المقدسات، وأن تبعد أنظار المسلمين عنها إلى أماكن أخرى مزعومة، ومراكز فكرية تبث سمومها الإلحادية ضد معتقد المسلمين، وتغزو عقولهم غزوا فكريا يصعب انتزاعه، وفي اعتقادي أن مثل هذه الرعاية تعد أسمى أنواع الرعايات وأنفعها، وسوف تعود بالخير العميم على الحرمين من جهة، وعلى المسلمين من جهة أخرى، حتى يظل التأثير والتأثر بين الطرفين باقيا، وتظل المناعة الوقائية للحرمين ضد شتى الحملات العدائية قوية وباقية. فإذا تهيأ للحرمين أداء دورهما على هذا النحو انسابت آثارهما قوية في نفوس المؤمنين تعصمهم من كل بدعة أو انحراف، وتصحح المعتقد كلما طرأ عليه من الظواهر والمتغيرات ما يحيد بهم عن المنهج الرباني؛ فإنه لا يسوغ لأحد من أهل التوحيد أن يشد رحاله إلى غير الحرمين والمسجد الأقصى، أو يمكث في الأرض بعيدا عنهما، كما ينبغي أن تمتد حركة التصحيح بوسائلها المختلفة من هذين الحرمين إلى الطوائف المخالفة لهذا الحكم الإسلامي؛ لأن هذين الحرمين مصدران للإشعاع الإيماني الذي يواجه كل باطل وانحراف.

ولم تقتصر رسالة الحرمين على مواجهة النحل الضالة وقطع دابرها من الأرض، وإنما لمن يقوم بخدمتها دور قيادي باعتباره الممثل الشرعي للمسلمين، والجامع لكلمتهم، والمعبر عن آمالهم، وهذا الدور الطليعي ينبغي أن يؤتي ثماره في المجالين الإسلامي والدولي، وعلى كافة محاور الأنشطة الدينية والسياسية والحربية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الدور الطليعي الذي يضطلع به من يقوم بخدمة الحرمين ليس هو وليد اليوم، وإنما هو تكليف شرعي شرف الله به كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015