من الأذي وعند ما حلوا بها للتجأُوا إلى بعض أمرائها فأكرمهم ومد إليهم يد المساعدة فضلاً وإحساناً يظن أنهم من أرباب الأقلام أو ذوي الأفهام بما يراه في جريدتهم التي ما فيها إلا تراجم عن جرائد أوروبا العلمية وهذه درجة يستوون فيها مع حمارة إسكندرية بل أن الحمارة يفضلونهم بمعرفتهم كثيراً من اللغات ولكن هؤُلاء يفضلون الحمارة بمعرفة القراءة والكتابة وقد صادف دخولهم مصر غيبة طبقة المنشئين المصريين الموجودين إذ ذاك كأفضل الفضلاء وإمام محراب الإنشاء الأستاذ الشيخ محمد عبده والجهابذة المتفنين والكتبة المقتدرين حسن بك حسني وإبراهيم أفندي علي اللغاني وإبراهيم أفندي الهلباري وحسن أفندي الشمسي وأحمد أفندي سمير ووفا أفندي محمد وسعد أفندي زغلول والطيب الذكر أديب أفندي أسحق وغيرهم من الفضلاء الذين عرفتهم الأقلام بما أودعوها من أسرار الإنشاء وضروب التحرير فقربهم أمراءُ مصر اعتماداً على أنهم شرقيون عثمانيون لا يخدمون إلا دولتهم ولا يغشون أخوانهم فما لبثوا أن كفروا بالنعمة وانكروا المعروف وانحازا إلى الغير يخدمونه بفض لما أعطاهم أمراء مصر فقد أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا حتى تسيء من أحسن إليها والعجب أنهم مع علمهم أنهم ليسوا على شيء لم ينتصحوا بنصيحة المؤيد الأغر ولا تعلموا من سياسة الأهرام التي قدمها لهم ولا أخذوا بقول الفلاح وهو يرشدهم ولا أدركوا سياسة الاتحاد التي دعاهم إليها ولو أرادوا الخير لأنفسهم لتعلموا من هذه الجرائد كيفية السير وفنون السياسة ولكنهم اغتروا بعناوينهم وظنوا أن العلم محصور في تعلم الإنسان لغة غير لغته يترجم بها كتب قومها ويغرب بها على من لم يعرفوها موهماً أن المسطر