مجله الاستاذ (صفحة 610)

ومراكش وغيرها ولكن على الاختصاص بأهل كل بلد فلم يرحل لجهة من هذه الجهات أناس مثل الراحلين إلى الأزهر من جميع الأقاليم والبلدان الإسلامية. ومع كون القوة العلمية كانت تلاشت أيام التتار فأنها عادت وتقوت أكثر مما كانت وعظمها الملوك وخافوا من رجالها حيث كان العالم الضعيف يدخل على الملك فيعظه وينهاه ولا سلاح معه ألا تعففه عن ماله ولا قوة معه إلا أخلاصه النصح ولا باعث له إلا قيامه بواجب وظيفته التي ناب فيها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في التبليغ وتعليم الأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومع كثرة الدخلاء في العلماء إذ ذاك حافظوا على أصول دينهم وقواعد فنونهم وميزوا المدسوس من المنسوب وفرقوا بين من أسلم الله عن طهارة نية ومن أسلم لا فساد كتب المسلمين وعقائدهم أو لمعرفة أصولهم وحدود بلادهم وقوى ملوكهم وطبائع أقوامهم فكانوا حرص الناس على حياة علومهم وأبعد الناس عن الاغترار بالمتظاهرين بالدين معهم وأعلم الناس بضروب السياسة وأحوال الأمم. وهذا الذي أعطاهم المقام الأول عند الملوك خصوصاً في العهود الأخيرة قبل الألف عندما فوضت الممالك إلى طوائف جهة ممن تغلبوا على ساداتهم وهم كذلك فوضوا الأحكام إلى أجهل منهم فكان العلماء مرجع المخابرات السياسية ورسل الصلح وسفراء الملوك بيدهم

الحل والعقد وكلما رأوا حاجة الملوك إليهم ازدادوا بحثاً في ضروريات الممالك واجتهدوا في خدمة الأمة بالتآليف النافعة للسياسة ككتب الأخلاق وترتيب البيت وتنظيم المدن والعوائد وتربية البنين والبنات والفلاحة والمعادن والمياه والحروب وتحديد الممالك والتخوم وغير ذلك مما هو من لوازم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015