الحرب من أخرى سعياً خلف الدين لا طلباً لسعة الملك فإنه لو كانت الدولة العثمانية مسيحية الدين لبقيت بقاء الدهر بين تلك الدول الكبيرة والصغيرة التي هي جزء منها في الحقيقة ولكن المغايرة الدينية وسعي أوروبا في تلاشي الدين الإسلامي أوجب هذا التحامل الذي أخرج كثيراً من ممالك الدولة بالاستقلال أو الابتلاع. وأننا نرى كثيراً من المغفلين الذين حنكتهم قوابلهم باسم أوروبا يذمون الدولة العلية ويرمونها بالعجز وعدم التبصر وسوء الإدارة وقسوة الحكام ولو أنصفونا لقالوا أنها أعظم الدول ثباتاً وأحسنها تبصراً وأقواها عزيمة
فإنها في نقطة ينصب إليها تيار أوروبا العدواني لأنها دولة واحدة إسلامية بين ثماني عشرة دولة مسيحية غير دول أمريكا وتحت رعايتها جميع الطوائف والأجناس والأديان وكثير من اللغات والفتن متواصلة من رجال أوروبا إلى من يماثلهم مذهباً أو يقرب منهم جنساً وكل دولة طامعة في قطعة تحتلها باسم المحافظة على حدودها أو وقاية دينها مع اتساع أراضيها وعدم وجود السكك الحديدية المسهلة للنقل والتحول وعدم وجود أنهر مستمرة الفيضان في غالب أراضيها ووجودها تحت رحمة الله تعالى إن شاء الله أمطرها فأخصبت أو منعها فأجدبت وهذه أمور لو ابتليت بها أعظم دولة أوروبية ما قاومت هذه الصواعب أكثر من عام أو عامين وتسقط أو تتلاشى. ولكنها تلام على إعطاء السكك الحديدية التزاماً للأوروبيين بواسطة أناس يزعمون أنهم من رعيتها ظاهراً وهم فرنساويون أو إنكليز باطناً فإن السكك الحديدية بالنسبة إلى المملكة كالشرايين بالنسبة إلى الجسم فهي من أعظم