علَّم الشرقيين ونبههم على معرفة نسبة الجرائد وخدمتها لأية دولة فكانت كمدرسة تربت فيها أفكارهم حتى إذا نبغوا في نقد الجرائد لم يعودوا للانخداع بأقوالها والاغترار بتلبيسها. ولا تعاب الجرائد بتلك المنازع التي نزعت إليها فإن المحرر أن كان من أمة أخرى فهو يخدم أمته قياماً بالواجب عليه وكل من رأى أنه يخدم أمة غير أمته فهو غرٌّ لم يدخل ساحة العقلاء. وإن كان أجيراً أو مدفوعاً بيد الغير فهو أجنبي يسعى خلف أجرته لا يبالي باع أباه بها أو أمه. وقليل من نراهم يخلصون النصح ويحثون على خدمة البلاد والأمة ويبينون الواجبات ويدافعون عن الأمة بما في وسعهم وطاقتهم فإذا رأوا جريدة محلية أو أجنبية اهتضمت حقوق الأمة أو أمرائها أو ملوكها شنوا عليها الغارة ودافعوا دفاع الغيور كما فعل بعض الجرائد المحلية من عربية وافرنجية في الدفاع عن حقوق الحضرة الخديوية رداً لأفكار مكاتب التيمس أو ذات التيمس وكما تفعل الجرائد ذلك عند تطرف الجرائد الأجنبية والحط على الشرقيين بما ليس من أخلاقهم وعاداتهم. ولقد صار للجرائد في مصر والشام شأن واي شأن فتربت بعباراتها الأفكار وتعلمت الأمة كثيراً من الأصول السياسية وخاضت في بحار المذكرات الدولية وابعدت في بحث المقاصد التحريرية حتى صار العامي يميز بين الجرائد إذا سمع باسمها فيقول جريدة كذا تابعة لدولة كذا وجريدة فلان تخدم أمة كذا وجريدة زيد يصرف عليها من مال عبيدة وهذه غايتها خمود الأفكار الشرقيين وهذه تقصد ينحاز الشرق لدولة كذا. وهذا أثر اختلاف الجرائد. وهذه التربية وأن حصلت بضد رغبة الجرائد وداعي إنشائها ولكنها أثبتت لها الفضل في فتح أبواب المذكرات وجلب الأخبار