وتدبير المدينة والمنزل والأخلاق تطلعاً للترقي إلى الرتب العالية والمناصب الرفيعة وكان الخلفاء والملوك ناظرين لفريق الكتابة بنظر العناية فكانوا يولونهم الأعمال الجليلة وينيطون بهم الوظائف المهمة ويرتبون لهم الرواتب الكثيرة تكثيراً لعدد الكتاب وتنشيطاً للمتعلمين ولما انتهى الدور الأول وأراد الله تعالى رجوع اللغة والإنشاء القهقري كثرت الثوار والمتغلبون وامتدت الحروب متواصلة في داخلية الشرق وخارجيته وانتهى كل متغلب بقتل العلماء وإبادة الكتب حتى كأن للواحد
منهم عند العلم ثاراً يطلبه من أهله فوقفت الحركة العلمية وأقفلت الخزن على ما فيها وانتهى الأمر بخراب بغداد والبصرة والكوفة وتخريب مدارسها وتشريد علمائها الباقين ونهب الكتب فلم يبق في الشرق مدرسة تحفظ فيها العلوم العربية إلا الأزهر الشريف فرحل إليه الناس من سائر الأجناس وقصدوه للتعلم والاستفادة قروناً ولضعف الهمم عن الطلب بطلت منه دروس كثير من العلوم الرياضية ثم انتهى الأمر بالاقتصار على العلوم الآلية كالنحو والبيان والمنطق ثم العلوم الشرعية وهي التفسير والحديث والفقه والعقائد. وبهذا التقهقر صار الكتاب القائمون بإدارة أعمال الحكومة قسماً من العوام غاية الأمر أنك لو قلت له أكتب كلمة كاتب مثلاًَ كتبها فإن قلت له أنشء لي كتاباً في موضوع كذا ذهب إلى الكتب المؤلفة في الرسائل وأخذ منها رسالة وزاد فيها بعض كلمات دالة على المقصود وكلامه العادي ككتابته وربما كانت عبارته العامية أفصح من عبارته في كتابته. وبهذا التقهقر الشنيع رأينا رئيس الكتاب الجليل من يكتب هكذا.