أما البكاء فقل عنك كثيره ... ولئن بكيت فللبكاء خليق
ثم ركب النعمان حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريين عليهما. فبنيا وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين يسمى احدهما يوم نعيم والآخر يوم بؤس. فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائه من الإبل شوماً أي سوداً. وأول من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان أسود ثم يأمر به فيذبح ويغرى بدمه الغربان. فلبث بذلك برهة من دهره حتى مر به رجل من طيء يقال له حنظلة بن أبي عفراء. كان آوى النعمان في خبائه يوم خرج إلى الصيد وانفرد عنه أصحاب بسبب المطر. فرجت به حنظله وهو لا يعرفه وذبح له شاةً فأطعمه من لحمها وسقاه لبنا. فلما نظر إليه النعمان وافداً إليه ساءه ذلك وقال له: يا حنظلة هلا أتيت في غير هذا اليوم. فقال: أبيت اللعن لم يكن لي علم بما أنت فيه. فقال له: أبشر بقتلك. فقال له: والله قد أتيتك زائراً ولأهلي من خيرك مائراً فلا تكن ميرتهم قتلي. فقال: لا بد من ذلك فأسأل حاجة أقضيها لك فقال تؤجلني سنةً أرجع فيها إلى أهلي واحكم من أمرهم ما أريد ثم أصير إليك فأنفذ في حكمك. فقال: ومن يكفل بك حتى تعود فنظر في وجوه جلسائه فعرف منهم شريك بن عمرٍٍو فانشد
يا شريك يا ابن عمرٍ ... يا أخا من لا أخا له
يا أخا شيبان فك اليوم ... رهناً قد أناله