فحملتها وخرجنا وأقفل الباب وسرنا وقد انهار من الدقيق على لحيته وعينيه وجبينه. فمشينا إلى أن أنصفنا وقد أتعبه الحمل لأن المكان كان بعيد المسافة. فعرضت نفسي عليه وقلت له: بأبي وأمي يا أمير المؤمنين حول الكيس عنك ودعني احمله فقال: لا والله أنت لا تحمل عني جرائمي وظلمي يوم الدين. واعلم يا عباس إن حمل جبال الحديد وثقلها خير من حمل ظلامةٍ كبرت أو صغرت. ولاسيما هذه العجوز تعلل أولادها بالحصى. يا له من ذنب عظيم عند الله سر بنا وأسرع يا عباس قبل أن تضجر الصبية من العويل فيناموا كما قالت. فسار وأسرع وأنا معه وهو يلهث لهث الثور من التعب إلى أن وصلنا خيمة العجوز فعند ذلك حول كيس الدقيق عن كتفه ووضعت جرة السمن أمامه فتقدم هو بذاته وأخذ القدر وكب ما فيها ووضع فيها السمن وجعل بجانبه الدقيق ثم نظر فإذا النار قد كادت تطفأ فقال للعجوز: أعندك حطب قالت: نعم يا ابني. وأشارت له إليه فقام وجاء بقليل منه وكان الحطب أخضر فوضع منه في النار ووضع القدر على الأثافي وجعل ينكس رأسه إلى الأرض وينفخ بفمه تحت القدر.
فوالله إني رأيت دخان الحطب يخرج من خلال لحيته وقد كنس بها الأرض إذ كان يطأطئ رأسه ليتمكن من النفخ. ولم يزل هكذا حتى اشتعلت النار وذاب السمن وابتدأ غليانه فجهل يحرك السمن بعود في يده الواحدة ويخلط من الدقيق مع السمن في يده الأخرى