فكاد يدخل بعضه في بعضٍ غيظاً. ولم يقدر على الكلام. ثم قال: هات قلنسوتي فأخرج قلنسوةً طويلةً خلقةً قد علاها الوسخ والدهن وتخرقت تساوي نصف درهمٍ. فقال: قوم. قال: قلنسوة الأمير تعلو هامته ويصلي فيها الصلوات الخمس ويجلس للحكم ثلاثون ديناراً. قال: أثبت. فأثبت ذلك ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي. فتربد وجهه وجحظت عيناه وهم بالوثوب ثم تماسك وهو متقلقلٌ. ثم قال لأشعب: هات ما عندك. فأخرج خفين خلقين قد نقبا وتقشرا وتفتقا. فقال: قوم. قال: خفا الأمير يطأ بهما الروضة ويعلو بهما المنبر أربعون ديناراً. فقال: ضعهما بين يديه. فوضعهما ثم قال للأعرابي: اضمم إليك متاعك وقال لبعض الأعوانٍ: اذهب فخذ الجمل. وقال لآخر: امض مع الأعرابي فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع وهو عشرون ديناراً. فوثب الأعرابي فأخذ القماش فضرب به وجوه القوم لا يألو في شدة الرمي به. ثم قال للأمير: أتدري أصلحك الله من أي شيءٍ أموت. قال: لا. قال: لم أدرك أباك عثمان فأشترك والله في دمه إذ ولد مثلك. ثم نهض مثل المجنون حتى أخذ برأس بعيره. وضحك أبانٌ حتى سقط وضحك كل من كان معه. وكان الأعرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول له: يا ابن الخبيثة حتى أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوم. فيهرب أشعب منه. (الأغاني)