319 حكى أن المأمون أشرف يوماً على فصره فرأى رجلاً يكتب بفحمةٍ على حائط قصره. فقال المأمون لبعض خدمه: اذهب إلى ذلك الرجل فانظر ما كتب وأتني به. فبادر الخادم إلى الرجل مسرعاً وقبض عليه وقال: ما كتبت. فإذا هو كتب هذين البيتين:
يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم ... متى تعشش في أركانك البوم
يوماً يعشش فيك البوم من فرحي ... أكون أول من ينعاك مرغوم
ثم إن الخادم قال له: أجب أمير المؤمنين. فقال الرجل: سألتك بالله لا تذهب بي إليه. فقال الخادم: لا بد من ذلك. ثم ذهب به. فلما مثل بين يدي أمير المؤمنين وأعلم بما كتب. فقال له المأمون: ويلك ما حملك على هذا. فقال: يا أمير المؤمنين إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك هذا من خزائن الأموال والحلي والحلل والطعام والشرابٍ والفرش والأواني والأمتعة والجواري والخدم وغير ذلك مما يقصر عنه وصفي. ويعجز عنه فهمي. وإني قد مررت عليه الآن وأنا في غاية من الجوع والفاقة. فوقفت مفكراً في أمري وقلت في نفسي: هذا القصر عامر عالٍ. وأنا جائعٌ ولا فائدة لي فيه. فلو كان خراباً ومررت به لم أعدم رخامه أو خشبةً أو مسماراً أبيعه وأتقوت بثمنه. أو ما علم أمير المؤمنين رعاه الله قول الشاعر:
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ ... نصيب ولا حظٌ تمنى زوالها