منهم من ذوي الرأي والمعرفة غائباً عنهم فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه. فلما أخبروه بما أجمعوا عليه قال: لا أرى ذلك صواباً. فسألوه عن علة ذلك. فقال: غداً أخبركم إن شاء الله. فلما أصبحوا غدوا عليه للوعد وقالوا: لقد وعدتنا. قال: نعم. فأمر فإحضار كلبين عظيمين قد أعدهما. ثم حرش بينهما وألب كل واحدٍ منهما على الآخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما. فلما بلغ الغاية فتح باب بيتٍ عنده وأرسل منه الكلبين ذئباً عنده قد أعده. فلما أبصراه تركا ما كانا عليه وتألفت قلوبهما. ووثبا جميعاً على الذئب فنالا منه ما أرادا. ثم أقبل الرجل على أهل الجمع فقال لهم: مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب لا يزال الهرج والقتال بينهم وتألفوا على العدو. فاستحسنوا قوله وتفرقوا عن رأيه.

الرشيد والذكي

243 يحكى أن رجلاً استأذن هارون الرشيد فقال: إني أصنع ما تعجز الخلائق عنه. فقال الرشيد: هات. فأخرج أنبوبةً فصب منها إبرا عدةً. ثم وضع واحدةً في الأرض. وقام على قدميه وجعل يرمي إبرةً إبرةً من قامته فتقع كل إبرةٍ في عين الإبرة الموضوعة حتى فرغ دسته. فأمر الرشيد بضربه مائة سوطٍ ثم أمر له بمائة دينار فسئل عن جمعه بين الكرامة والهوان فقال: وصلته لجودة ذكائه. وأدبته لكي لا يصرف فرط ذكائه في الفضول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015