وتوجه إلى الجبل. وكان في دار ذلك الشيخ النصراني كلبٌ جربٌ مهزول فلحق العابد ونبح عليه وتعلق بأذياله. فألقى إليه العابد رغيفاً من ذينك الرغيفين ليشتغل به عنه. فأكل الكلب ذلك الرغيف. ولحق العابد مرةً أخرى وأخذ في النباح والهرير. فألقى إليه العابد الرغيف الآخر فأكله. ولحقه تارةً أخرى واشتد هريره وتشبث بذيل العابد ومزقه. فقال العابد: سبحان الله إني لم أر كلباً أقل حياءً منك. إن صاحبك لم يعطني إلا رغيفين وقد أخذنهما مني. ماذا تطلب بهريرك وتمزيق ثيابي. فأنطق الله تعالى ذلك الكلب فقال: لست أنا قليل الحياء. اعلم أني ربيت في دار ذلك النصراني أحرس غنمه وأحفظ داره. وأقنع بما يدفعه لي من عظام أو خبز. وربما نسيني فأبقى أياماً لا آكل شيئاً. بل ربما يمضي علينا أيامٌ لا يجد هو لنفسه شيئاً ولا لي. مع ذلك لم أفارق داره منذ عرفت نفسي ولا توجهت إلى باب غيره. بل كان دأبي أنه إن حصل شيءٌ شكرت وإلا صبرت. وأما أنت فبانقطاع الرغيف عنك ليلةً واحدةً لم يكن عندك صبرٌ ولا كان منك تحملٌ حتى توجهت من باب رازق العباد إلى باب إنسانٍ. فأينا أقل حياءً أنا أم أنت. فلما سمع العابد ذلك ضرب بيده على رأسه وخر مغشياً عليه. (لبهاء الدين)