الذكر فغاب. فلما جاء الصيف يبس الحب وضمر. فلما رجع الذكر رأى الحب ناقصاً. فقال: أما كنا أجمعنا رأينا على أن لا نأكل منه شيئاً فلم أكلته. فجعلت تحلف أنها ما أكلت منه شيئاً وجعلت تعتذر إليه. فلم يصدقها وجعل ينقرها حتى ماتت. فلما جاءت الأمطار ودخل الشتاء تندى الحب وامتلأ العش كما كان. فلما رأى الذكر ذلك تندم. ثم اضطجع إلى جانب حمامته وقال: ما ينفعني الحب والعيش بعدك. إذ طلبتك فلم أجدك ولم أقدر عليك. وإذا فكرت في أمرك وعلمت أني قد ظلمتك ولا أقدر على تدارك ما فات. ثم استمر على حزنه. فلم يطعم طعاماً ولا شراباً حتى مات إلى جانبها. (كليلة ودمنة)
128 إنه كان في جبل لبنان رجلٌ من العباد منزوياً عن الناس في غارٍ في ذلك الجبل. وكان يصوم النهار ويأتيه كل ليلةٍ رغيفٌ يفطر على نصفه ويتسحر بالنصف الآخر. وكان على ذلك مدة طويلةً لا ينزل من دلك الجبل أصلاً. فأتفق أن انقطع عنه الرغيف ليلةً من الليالي فاشتد جوعه وقل هجوعه. فصلى العشاءين وبات تلك الليلة في انتظار شيءٍ يدفع به الجوع فلم يتيسر له شيءٌ. وكان في أسفل ذلك الجبل قريةٌ سكانها نصارى. فعندما أصبح العابد نزل إليهم واستطعم شيخاً منهم فأعطاه رغيفين من خبز الشعير فأخذهما