ولا تظن أنك إذا حصلت علما فقد اكتفيت. بل تحتاج إلى مراعاته لينمي ولا ينقص. ومراعاته تكون بالمذاكرة والتفكر واشتغال المبتدئ بالتحفظ والتعلم ومباحثة الأفران واشتغال العالم بالتعليم والتصنيف. وإذا تصديت لتعليم علم أو للمناظرة فيه فلا تمزج به غيره من العلوم. فإن كل علم مكتفٍ بنفسه مستغنٍ عن غيره. فإن استعانتك في علم بعلم عجز عن استيفاء أقسامه كمن يستعين بلغة في لغةٍ أخرى إذا ضاقت عليه أو جهل بعضها.
(قال) وينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ وأن يطلع على لسير وتجارب الأمم. فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم.
(قال) وينبغي أن يكثر اتهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم. وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب. فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل. ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة. ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس. ومن لم يبكتوه. لم يسود. ومن لم يحتمل ألم التعلم والتفكر فحرك لسانك بذكر الله تعالى وبتسابيحه. وخاصةً عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك. وتتكلم به في منامك. وإذا حدث لك فرح وسرورٌ ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة