ذخائره فانيةً رماداً وتراباً لا فضةً وذهباً. ولو جمع مهما جمع فإنما يصيبه ما يأكله ويلبسه لا سواه. وجميع ما يخلفه يكون حسرةً وندامةً ويصعب عليه نزعه عند موته. فحلالها حسابٌ. وحرامها عذابٌ. إن كان قد جمع المال من حلال طلب منه الحساب. وإن كان قد جمعه من حرام أو وجب عليه العقاب. وكان أشد عليه من حسرة حلول العذاب به في حفرته وآخرته. واعلم أن راحة الدنيا أيام قلائل وأكثرها منغص بالتعب. ومشوبٌ بالنصب. وبسببها تفوت راحة الدنيا الآخرة التي هي الدائمة الباقية والملك الذي لا يفنى ولا نهاية له. فسهل على العاقل أن يصبر في هذه الأيام القلائل لينال راحة دائمة بلا انقضاء. والدنيا ليست بشيء في جنب الآخرة ولا نسبة بينهما لأن الآخرة لا نهاية لها ولا يدرك الوهم طولها. (للغزالي) 29 لما بنى المأمون بن ذي النون وكان من ملوك الأندلس قصره وأنفق في بنائه بيوت أمواله فجاء على أكمل بنيان في الأرض. وكان من عجائبه أنه صنع فيه بركة ماءٍ كأنه بحيرةٌ. وبنى في وسطها قبة وسيق الماء من تحت الأرض حتى علا إلى رأس القبة على تدبير قد أحكمه المهندسون. وكان الماء ينزل من أعلى القبة حواليها محيطاً بها متصلاً بعضه ببعض. فكانت القبة في غلالةٍ من ماء سكباً لا يفتر والمأمون قاعدٌ فيها. فروي عنه أنه بينما هو نائمٌ إذ سمع منشداً ينشد هذه الأبيات: