حوله فقال: جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء. وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما حمل. ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له قال أبو العتاهية:
أيا من عاش في الدنيا طويلاً ... وأفنى العمر في قبل وفال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرامٍ أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال
(للطرطوشي)
28 إعلم أن الدنيا منزلة وليست بدار قرارٍ والإنسان فيها على صورة مسافرٍ. فأول منازله بطن أمه وآخر منازله لحد قبره. وإنما وطنه وقراره ومكئه واستقراره بعدها. فكل سنةٍ تنقضي من عمر الإنسان كالمرحلة. وكل شهرٍ ينقضي منه كاستراحة المسافر في سفره. وكل أسبوع فكقريةٍ تلقاه في طريقه. وكل يوم فكفرع يقطعه. وكل نفسٍ فكخطوةٍ يخطوها. وبقدر كل نفس يتنفسه يقرب من الآخرة. وهذه الدنيا قنطرة فمن عبر القنطرة واشتغل بعمارتها فني فيها زمانه. وأنسي المنزلة التي إليها مصيره وهي مكانه. وكان جاهلاً غير عاقلٍ. وإنما العاقل الذي لا يشتغل في دنياه إلا بإعداد زاده لمعاده. ويكتفي منها بقدر حاجته. ومهما جمعه منها فوق كفايته كان سماً قاتلاً. وتمنى أن تكون جميع خزائنه وسائر