لئلا يفوت الوقت ولا تشتغلوا بغير الصلاة فإن المركب سائرٌ. فمضوا وتفرقوا في الجزيرة وانتشروا في نواحيها فالعقلاء منهم لم يمكثوا وعادوا إلى المركب. فوجدوا الأماكن خاليةً فجلسوا في أطهر أماكنه وأوفقها. وأطيب مواضعه وأرفقها. ومنهم قوم نظروا إلى عجائب تلك الجزيرة. ووقفوا يتنزهون في زهرها وأثمارها. وروضها وأشجارها. ويسمعون ترنم أطيارها. ويتعجبون من حصبائها الملونة وأحجارها. فلما عادوا إلى المركب لم يجدوا فيه موضعاً ولا رأوا متسعاً. فقعدوا في أضيق مواضعه وأظلمها. ومنهم قومٌ وقفوا مع عجائب تلك الجزيرة فتحيروا. وفي الرجوع لم يتفكروا. حتى سار المركب فبعدوا عنه وانقطعوا وفي أماكنهم تخلفوا. إذ لم يصغوا إلى المنادي ولم يسمعوا فمنهم من هلك من الجوع ومنهم من أكلته السباع. ونهشته الضباع. فالقوم المتقدمون هم المؤمنون المتقون. والقوم المتخلفون الهالكون هم الذين نسوا الله ونسوا الآخرة وسلموا كليتهم إلى الدنيا وركنوا إليها واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. وأما الجماعة المتوسطون فهم العصاة الذين حفظوا أصل الإيمان ولكنهم لم يكفوا يدهم عن الدنيا. فمنهم من تمتع بغناه ونعمته. ومنهم من تمتع مع فقره وحاجته. إلى أن ثقلت أوزارهم. وكثرت أوساخهم وآصارهم (للغزالي) 27 لما حضرت هشام بن عبد الملك الوفاة نظر إلى أهله يبكون