هذه رؤوس الناس التي تراها كانت مثل رؤوسكم كانت مملؤةً من الحرص والاجتهاد على جمع الدنيا. وكانوا يرجون من طول الأعمار ما ترجون. وكانوا يجدون في جمع المال وعمارة الدنيا كما تجدون. فاليوم نعرت عظامهم وتلاشت أجسامهم كما ترى. وهذه الخرق كانت أثوابهم التي كانوا يتزينون بها عند التجمل وقت الرعونة والتجمل والتزين. فاليوم قد ألقتها الريح في النجاسات. وهذه عظام دوابهم التي كانوا يطوفون أقطار الأرض على ظهورها. وهذه النجاسات كانت أطعمتهم اللذيذة التي كانوا يحتالون في تحصيلها لا يقربها أحد من نتنها. فهذه جملة أحوال الدنيا كما تشاهد وترى. فمن أراد أن يبكي على الدنيا فلبيك فإنها موضع البكاء.. (قال) فبكى جماعة الحاضرين ولله الحريري حيث قال:

يا طالب الدنيا الدنية إنها ... شرك الردى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت عداً تباً لها من دار

غاراتها لا تنقضي وأسيرها ... لا يفتدى بجلائل الأخطار

فأقطع علائق حبها وطلابها ... تلق الهدى ورفاهة الأسرار

26 مثل أهل الدنيا واشتغالهم واهتمامهم بأحوالها ونسيان الآخرة وإهمالها كمثل قوم ركبوا مركباً في البحر فعدلوا إلى جزيرةٍ لأجل قضاء الحاجة. فنزلوا إلى الجزيرة والملاح يناديهم لا تطيلوا المكث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015